القديس الفاسق!

القديس الفاسق!

  • القديس الفاسق!

اخرى قبل 4 سنة

القديس الفاسق!

بكر أبوبكر

 لا تجوز على الميت الا الرحمة! هذا ما نقوله دوما حينما يتجرأ احدهم لنقد مسيرة أو شخص أحد الأموات، رغم أن الحقيقة للشخص المعني خاصة إن كان شخصية عامة تقتضي الإشارة بلا جدال لمساوئه ورفضها، ومناقبه وايجابياته ومآثره معا في آلية عادلة.

 فلا يمكن رفع شخص ما لمصاف الشهداء أو القديسين أو الأنبياء لمجرد إرادة سياسية، أو لمجرد النظرة اليه بعين عوراء واحدة، او لنظرة حزبية او طائفية أو قومية ضيقة.

عبر التاريخ الطويل ارتقت عديد الشخصيات لمرتبة القداسة أو الرمزية، وذلك استنادا لحياة حافلة خدمت مرحلة أو دولة أو سلطة، أو استنادا لمواقف تتّسق مع الجماهير، أو تتّسق غالبا مع هوى الفئة الحاكمة، الفئة المسيطرة، الفئة التي تكتب التاريخ.

وعبر مجمل التاريخ شبعنا من الخرافات والأكاذيب والرمزيات التي أدت لاختلاق وصنع تاريخ جديد مختلق خيالي كاذب، والأدهى والأمر أن يصبح كتابًا أو منهجاً في المدارس وفي الجامعات، وهنا كما الحال مع الرواية التوراتية الخرافية الأسطورية، وكما تأويلات وانتزاعات المستشرقين الغربيين فاسدي الاستدلال،  الذين بنوا قصورًا وهمية لتاريخ واماكن وأحداث ورجالات لم تكن البتة، أو لم تكن كما هي الرواية التناخية-التوراتية الأسطورية المتداولة.

عموما لنترك جانبا سياق صناعة تاريخ جديد للبشرية كما فعل كهنة التوراة الكذابون، ومن يسير على خطاهم بقوة اليوم وأقصد أساسا الحكومة الاسرائيلية التي تتبع نفس نهج المنقرضين في تزوير الحاضر الذي سيصبح تاريخا، ومن يسير على خطاهم شرقا وغربا.

 لنركز على بناء الرموز في الحاضر المعاصر حيث تنزع الطوائف أو البلدان أو الأحزاب أو القوميات لابتداع تبجيل عظيم لشخصيات -قد تستحق وقد لا تستحق- تأخذ الأبعاد الرمزية، فيموت على أبواب ذكراهم العشرات وربما المئات، وكأن الاموات ممن يعتبرون الرموز لا (تتبشبش الطوبة تحت رؤوسهم) الا بجرّ عديد الأحياء الأموات لقبورهم!

عاش فلان ونموت نحن! وعاش البطل علان ونموت نحن! وعاش علنتان ونموت لذكراه نحن؟ لماذا والله سبحانه وتعالى وهبنا الحياة وليس الموت لنقبر مع من أستحق الرمزية أو لا يستحق!

 وليس لي إلا ذكر ما كان يردده أبوعمار رحمه الله عندما كانت الناس تصدح باسمه فكان يمنعهم قائلا: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين بالروح بالدم نفديك يا حيفا بالروح بالدم نفديك يا قدس وليس أبوعمار مطلقا.

إن الرموز من الشخصيات في المجتمعات عامة هي حالة نشطة محفزة داعمة ايجابية مطلوبة، للعبرة والأسوة الحسنة والنموذج والقدوة الحسنة (وإنك لعلى خلق عظيم).

 نعم الرمزية بهذا المعنى الايجابي المحفز مطلوبة بلا شك، ولكن حينما لا ترتبط بالتعصب أوالكذب،أوالخبل والهبل، أو القدسية التي لم ولا تصح الا للأنبياء فقط ونقطة.

عندما غالى أو بالغ بعض الصحابة في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال لهم "إنما أنا عبد"! يا لله لعظمة هذا العبد محمد صلى الله عليه وسلم مضيفا في إطار رفضه المديح الزائد والإطراء المبالغ به "قولوا: عبدالله ورسوله"، فإعماله عليه السلام وخلقه وقيمة ورسالته تدل عليه.

لن نقدس ميتًا أو شهيدا أو أي شخص، فما بالك للأحياء؟! فالقدسية لله سبحانه وتعالى وحده، والقدسية بمعنى التعظيم لمن يشاء سبحانه هي لبعض الأماكن والأزمان (الأيام) والاجتماعات المحددة دينيا كما يقول الشيخ علوي السقاف.

إن العصمة فقط لأنبياء الله الكرام وما سواهم بشر، ولذا هم يخطئون ويصيبون، وهم مهما فعلوا لن يرتقوا لمرتبة الأنبياء، وإن كنا نتمنى  للصلحاء منهم أن يكونوا مع الشهداء والصديقين والأنبياء في جنة الرضوان نعم، وهذا قرار إلهي ليس لنا منه الا الدعاء، فالله سبحانه هو وحده العالم بالقلوب.

إن رفع أي شخص لمرتبة القداسة أو التنزيه أو العظمة لمجرد أنه مات في موقف معين، أو في سياق زمن ما، أو لأنه قدّم خدمة محددة لحزبه او فكره أو لزعيمه، أو لعقيدته البائسة، أو لأنه على هوى السلطان يجب ألا يمنع المحققين التاريخيين عن كشف الحقائق وتبيان عوامل القصور أو الكذب أو حتى الإجرام والفسق التي قد تكون في شخصية هذا او ذاك في ميزان القسطاس الذي يزن ايجابياته وسلبياته بعيدا عن هيلمان السلطة ووهج سيف الاتهام بالكفر أو الردة أو الخيانة أو المحورية هنا أو هناك.

إن المغالاة بالمديح الزائد ومنح الألقاب الفارغة في الحياة كما في الممات لأي شخص عادة سلبية وتعبير عن ممالأة ومصانعة، أو تعبير عن خوف وجبن، اوتعبير عن انتهازية عميقة وتساوق مع التيار، وهي بذلك تضع سدّا امام الناس من انتقاد هذه الشخصية أو تلك، ويضفي عليهم صفة القدسية مما لا تجوز ولا تستحق.

كثيرٌ ممن ماتوا وسمّوا لدى أمم كثيرة أبطالا او شهدأء أو قديسين، عندما يحاكمهم التاريخ ويسلط عليهم المنصفون الضوء يكتشفون أنهم ساديون قتلة، لم يمارسوا في حياتهم وبقيم عصورهم الا الاستئصال للمخالف، وكذلك الأمر في عصورنا الحديثة.

 فلن نقبل أن يتسمى قاتلٌ للأبرياء، سفاح للدماء أي دماء،  أو إرهابي مجرم محتلٌ لأرض، أو مزوّر للتاريخ، أو مستعمرجبان، أو شيطان فاجر بأنه بطل أو قديس أو شهيد أو أنه أيقونة أو رمز.

 

 

 

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وأديب عربي فلسطيني

في الفكر والدراسات العربية والاسلامية

Baker AbuBaker

Palestinian Author & writer

التعليقات على خبر: القديس الفاسق!

حمل التطبيق الأن